حسن نصر الله لا يرى «عدواً» إلا إسرائي
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=760&ChannelId=16993&ArticleId=864&Author=%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%84%20%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86
لكم هو ساذج وبسيط السيد حسن نصر الله...
فجأة، تسقط الهالة التي تتوّج رأس هذا «القائد المجاهد» لينكشف كم هو غريب عن «اللعبة السياسية في لبنان»، التي لها أربابها وأساطينها من المحترفين الدهاقنة: إنه صريح، مباشر، لا يعرف أصول اللعبة، فلا يداهن ولا يكذب، ولا يزوّر الوقائع، ولا يعلن غير ما يبطن، لذلك فإن تصيّده أمر في غاية السهولة..
.. ولأن إسرائيل هي «العدو» الوطني والقومي للبنان، بالنسبة للسيد حسن نصر الله، فهي ـ بالبديهة ـ مصدر كل أذى وكل شر يصيبه، كدولة، كشعب، سواء في عمرانه واقتصاده، أو في تخريب العلاقات بين أهله بتقسيمهم بين «معادين» و«محايدين» أو خصوم لخصومهم بما يقرّبهم من خانة الحلفاء!
ولأن إسرائيل هي العدو المؤهل والقادر على إلحاق الأذى بلبنان واللبنانيين، تستوي في ذلك الاغتيالات الفردية (وقد طالت مجاهدين من رفاقه قبل أن تطال غيرهم ممن يظلون من أهله ويظل حريصاً عليهم، وعلى عوائلهم ومن يمثلون، حتى لو خالفوه في الرأي وفي التوجه السياسي) أو الحرب الإسرائيلية الشاملة على لبنان بإنسانه وعمرانه..
ولأن إسرائيل هي العدو فمن الطبيعي أن تكون ضد الاستقرار في لبنان، وأن تعمل ما وسعها الجهد لتخريب التوافق الوطني وزعزعة الوحدة الوطنية، بالدسائس والمؤامرات والاغتيالات... أو حتى الحرب، إذا استدعى الأمر أن تحقق بالحرب الشقاق الداخلي الذي يأتيها بالأرباح ذاتها!
أما وأن السيد حسن نصر الله ساذج وبسيط، فهو يفترض أن الرد الفعلي على الحرب الإسرائيلية، سياسية كانت أم عسكرية، إنما يكون بتدعيم الوحدة الوطنية، وبترسيخ التوافق الوطني في لحظة فاصلة كالتي يعيشها لبنان عشية الانتخابات الرئاسية، التي تحين بينما أهله مختلفون إلى حد الافتراق والتقاطع والخصومة القابلة للتحوّل إلى فتنة..
لقد رفضت الموالاة، على امتداد عام طويل، كل العروض والمبادرات التي هدفت إلى إنجاز تسوية منطقية وطبيعية جداً لانسجامها مع ثوابت الحياة السياسية اللبنانية: رفضت إعادة صياغة الحكومة بما يعيد إليها التوازن المفقود.. وفرضت على البلاد شهوراً من المماحكات حول «الوزير الملك» و19 + 11 أو 19 + 10 + ,1 ثم حول وزارة الوحدة الوطنية 17 + 13 (بعد إقرار المحكمة الدولية) كمدخل للتوافق على الرئيس بل العهد الجديد بمؤسساته جميعاً.
ثم إن الموالاة هوّلت بانتخاب «الرئيس الوفاقي» العتيد بالنصف زائداً واحداً، كونها لا تملك أكثرية الثلثين... مما يعني أن يسقط الدستور شهيد اغتيال أخطر من كل ما سبقه من اغتيالات، لأن الجريمة موصوفة، تقع جهاراً نهاراً، وأمام عيون العالم أجمع، ومرتكبها يتباهى بفعلته مؤكداً أنه إنما ينصر الديموقراطية ويحقق السيادة والاستقلال!
ولأن السيد حسن نصر الله ساذج وبسيط ولا يتقن فنون المناورات والخداع الحربي إلا في مواجهة العدو الإسرائيلي، فهو قد عاد يلح على «الرئيس بالتوافق»، فإذا استحال تحقيق هذا الهدف الطبيعي، فلا بد من الذهاب إلى الحد الأقصى: أي الاستفتاء الشعبي.
لقد افترض أنه يقدم حلاً بديلاً كمخرج من الأزمة الخانقة التي يتسبّب فيها تعنت الموالاة، المتهمة بأنها تستعين بالخارج على الداخل، وبأنها تنفخ صدرها بأخطاء المرحلة السورية التي كان معظم قادتها اليوم من كبار المنظرين لدوامها، بالأمس، وهو أقل ما تفرضه إفادتهم من مغانمها..
والسيد حسن نصر الله الساذج والبسيط مسكون بهاجس العدو الإسرائيلي وحربه المفتوحة على لبنان (وعلى فلسطين، «بحكومتيها»، وعلى سوريا، بل وعلى أي جهد مقاوم أو مناصر للمقاومة أو حتى الصمود) فإنه يرى شبح إسرائيل وراء كل ما يسيء إلى لبنان ويهدد استقراره، خصوصاً، أو ما يؤذي العرب في حاضرهم كما في مستقبلهم.
وبديهي أن يرى لإسرائيل مصلحة في اهتزاز الاستقرار أو حتى في نسفه، وبالتالي فماذا يمنع من أن تكون وراء بعض الاغتيالات السياسية، لتخريب الجهود المبذولة من أجل التوافق وتجاوز الخصومات والقطيعة بالتفاهم على العهد الجديد بعنوان رئيسه؟
[ [ [
السيد حسن نصر الله بسيط وساذج. إنه لم يدرك بعد أنه قد ارتكب «الخطيئة المميتة»، وأن الحكم «بعزله» قد صدر، وأن الاستمرار في محاصرته سياسياً هو المدخل الطبيعي للسيطرة على «العهد الجديد»...
والقرار بفرض «الحصار» و«العزل» وبالتالي تعطيل الوفاق عبر المشاركة في تثبيت العهد الجديد، برنامج حكم وشخص الرئيس وصيغة الحكومة، هو قرار دولي، بمشاركة عربية معلنة..
فطالما لم يمكن، ولا يمكن في المدى المنظور تجريد المقاومة من مشروعيتها الوطنية ومن
تراثها الجهادي، فلا أقل من فرض الحرم على مشاركتها السياسية، ليس فقط في السلطة القائمة، بل في السلطة المقبلة أساساً..
ولا بد من إظهار قائد المقاومة وكأنه غريب عن «تقاليد الحياة السياسية»، بل غريب على السياسة في لبنان، وطارئ عليها، وإذا أمكن دمغه بطابع أنه «هجين» أو «مهجّن» فلا بأس!
حتى الاعتصام السلمي الذي أراده هذا الساذج ومن معه، تعبيراً عن الاعتراض وإصراراً على الوفاق، أمكن للسلطة ومن معها أن تصوّره «أخذاً للبلد كرهينة، وتعطيلاً لمصالح الناس، وسبباً في الأزمة الاقتصادية التي تداني إعلان الإفلاس العام»!
الاعتصام في ألف متر مربع، مقابل سرايا الحكومة، كمظهر حضاري للاحتجاج، والتذكير بمشكلة سياسية حادة، كادت تفجّر البلاد بأهلها، بات هو العنوان الفاضح للإخلال بكل أسس التوازن الوطني والوفاق وإرادة العيش المشترك واتفاق الطائف... وصولاً إلى ركائز الدولة ومقوماتها!
صار الاعتصام السلمي، الذي يرمز إلى وجود مشكلة سياسية جدية تهدد النظام والوحدة، تهديداً للشراكة والوحدة والنظام.
صار الابتعاد عن أي مظهر مسلح، والحرص على السلم الأهلي، وتحمّل الاستبعاد والنفي والتشهير بالمجاهدين الذين قدموا دماءهم فداء لحرية لبنان واستقلاله، في مواجهة الحرب الإسرائيلية، تخريباً للسلم الأهلي وتهديداً للكيان وأهله..
صار السيد حسن نصر الله، الإنسان الوحيد الذي لا يرى الشمس، بينما تحوم «الأم. كا.» الإسرائيلية فوق الأماكن المحتمل وجوده فيها ليلاً نهاراً، هو مصدر الخطر على السلم الأهلي في لبنان..
صحيح «إنها مواقف وممارسات تتجاهل الأخوة وتتجاهل الشراكة، وتتعمّد التعطيل والإضرار بحياة الناس وبكراماتهم، وتتعمّد زرع الانقسام.. كيف نكون أهل دين ووطن وأمة، ثم لا يحزن أحدنا لحزن أخيه ولا يتألم لمصابه ولا يتضامن معه ويمعن في التعمية!».
الكلام للرئيس فؤاد السنيورة، وحتى لا يذهب الظن بعيداً فنفترض أنه قاله في معرض التضامن مع «المحاصَر الوحيد» بالطائرات وأجهزة التجسس والتنصت وعملاء المخابرات الإسرائيلية، فإن دولته قد قاله في معرض الرد على كلمة الساذج البسيط السيد حسن نصر الله، في يوم القدس، مساء يوم الجمعة الماضي..
ويمكن أن نستعير من كلمة الرئيس السنيورة، وهي مكتوبة، الختام العابق بالشجن: «ولئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك. إني أخاف الله رب العالمين».
فالإيمان، كما نعرف، هو السلاح الأفعل والأمضى للسذج والبسطاء من الناس كالسيد حسن نصر الله..