Zimplistic
Sunday, August 26, 2007
  دعم الولايات المتّحدة للبنان: قراءة باردة لملفّ ساخن
هشام صفي الدين *

كيف يمكن مواطناً لبنانياً شريفاً (أو غير شريف)، مربكاً أو محايداً (هل للحياد أنصار في لبنان؟)، أن يقوّم حقيقة الدعم الأميركي الحالي للبنان ومقارنته مع الدعم الإيراني، من دون اللجوء الى لغة الاختيار بين قوى الظلمة وقوى النور، أو العالم الحر والعالم الأصولي، أو المقاومة والارتهان للعدو، أو النصر الإلهي والعدالة الدولية (شبه الإلهية عند البعض)؟
إنّ تقويم أي تحالف أو علاقة بين دولتين أو قوّتين سياسيّتين (بعيداً عن المهرجانات الحاشدة والوعود المتلفزة والدموع) يقوم على قراءة موضوعية لمؤشّرين أساسيّين لهذا التحالف: التعاون العسكري (بالدرجة الأولى) والتعاون الاقتصادي (بالدرجة الثانية)، وإصدار حكم بحق هذين المؤشّرين يستند إلى النظر في ثلاث خصائص لهذا التعاون:
1ــــ قيمة أو حجم الدعم
2ــــ الأهداف المعلنة أو السريّة له
3ــــ الشروط المرفقة به (نوعية هذا الدعم)
ما هي إذاً حقيقة الدعم الأميركي للبنان في ضوء مراجعة دقيقة، وبالأرقام، لماضي وحاضر هذا التعاون وخصائصه بحسب مصادر الإدارة الأميركيّة نفسها؟

الدعم العسكري

لعلّ إحدى أهمّ نقاط الخلاف بين الموالاة والمعارضة في لبنان هي مصير سلاح حزب الله. لا يفوّت فريق 14 آذار فرصة للحديث عن بناء الدولة القوية القادرة على حماية لبنان (وجنوبه). ونزع سلاح حزب الله، بحسب هذا الفريق، هو إحدى الخطوات الرئيسة في هذا الاتجاه. فهل توفّر المساعدات الأميركية بديلاً واقعياً للقوّة الردعية (المجرّبة) لحزب الله؟
1ـــــ قيمة هذا الدعم:
منذ 1946 حتى حرب تموز 2006، لم يتلقَّ لبنان أي معونات عسكرية أميركيّة تذكر سوى بين عامي 1981 و1984، وهي فترة اصطفاف الجيش اللبناني الرسمي آنذاك إلى جانب قوى لبنانية متعاطفة أو متحالفة مع إسرائيل، والأهم أنّها فترة تدخّل عسكري أميركي مباشر.
فبين عامي 1981 و1984، تلقّى لبنان معونات عسكرية أميركية بقيمة 148 مليون دولار، أي بمعدّل 37 مليون دولار سنوياً. وهذه المساعدات فاقت قيمتها ما تلقّاه لبنان في السنوات الـ34 التي خلت والتي تقدّر بحوالى 126 مليون دولار، أي بمعدل 3.7 مليون دولار سنوياً. (أكثر من 95% من كلّ هذه المعونات عبارة عن قروض لا هبات). بعد عام 1984 والانسحاب الإسرائيلي المجتزأ من لبنان، انخفض حجم الدعم العسكري الأميركي إلى أدنى مستوياته (بلغ حوالى خمسمئة ألف دولار سنويّاً حصرت في أغراض تدريبيّة).
إنّ اغتيال الحريري، عكس ما قد يظنّه البعض، لم يحدث تغييراً جذرياً في هذه السياسة. فطلب الإدارة الأميركية لعام 2006 بلغ مليون دولار وللعام 2007 بلغ حوالى 4 ملايين دولار. إن الزيادة العملاقة أتت على وقع حرب تموز. فقد قدمت إدارة بوش طلباً طارئاً إلى الكونغرس بتقديم مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 220 مليون دولار لسنة واحدة هي عام 2007.
استنتاج: إنّ أيّ زيادة ملموسة لحجم المعونات العسكريّة الأميركيّة للبنان هي زيادة آنيّة ومرتبطة بوجود انقسامات داخليّة أو بنشوب حروب وصراعات ذات بعد إقليمي، وهي ليست وليدة تحالف استراتيجي زمني كذلك الذي يربط إيران بحزب الله. والأهمّ طبعاً هو أنّه حتى عند زيادة هذه المساعدات، فإنّ الأهداف والشروط المرفقة بها تؤكّد أنّها أبعد ما يكون عن المساهمة في بناء جيش لبناني قادر على الدفاع عن سيادة هذا البلد ووحدته وسلامة أراضيه.
2ـــــ أهداف هذا الدعم:
لا نعرف ما هي الوعود التي تلقاها العماد سليمان حول المساعدات الأميركيّة العسكريّة للبنان. لكن الوعود الملزمة للولايات المتحدة هي تلك المنصوص عليها في القرارات التي يتبناها الكونغرس لهذا الغرض، وبناءً على طلب رئاسي. وطلب المساعدات الطارئ لهذا العام والبالغ 220 مليون دولار شديد الوضوح بهذا الخصوص. فوزارة الخارجية الأميركيّة تعلن أن الهدف هو «إحكام السيطرة اللبنانية على الجنوب والمخيّمات الفلسطينيّة لمنع استخدامها قواعد لضرب إسرائيل»، و«لتحسين قدرات الجيش اللبناني لإجراء عمليات التجوال والمراقبة الحدوديّة».
استنتاج: إنّ حماية لبنان بحسب إدارة جورج بوش تتمّ عبر ضبط قدراته على قتال إسرائيل، البلد الأكثر تهديداً لأمنه، والذي قام بمحاولة اجتياحه في السنة نفسها التي أعلنت الإدارة نيّتها مساعدة لبنان.
3ـــــ الشروط المرفقة لهذا الدعم (نوعيّته):
قد يفسر الهدف الأميركي الآنف ذكره على أنّه محاولة لمنع أي فريق غير شرعي من القيام بمهمة الدفاع عن الأراضي اللبنانية. لكن ماهية هذا الدعم لا تترك مجالاً للشك في أن تأسيس قوة شرعية (الجيش) قادرة على القيام بهذا الدور غير مطروح على برنامج هذه المساعدات. فأي دعم عسكري للجيش (حسب ما ينص قانون المساعدات) هو مخصص لبرامج تدريبيّة على أيدي شركات أميركيّة خاصة، ولتوفير قطع غيار وذخيرة، بالإضافة إلى آليات لأغراض لوجستيّة ومراقبة (285 مركبة هامفي Humvee و25 شاحنة ذات حمولة 5 أطنان). أمّا المعدّات والأسلحة التي تستخدم للدفاع عن أراضي أيّ بلد، كالصواريخ المضادة للطائرات أو الدبابات أو البوارج أو حتى الصواريخ الأقل تطوراً كالكاتيوشا، فهي ليست بأي شكل من الأشكال ضمن ما هو مسموح به حسب شروط هذه المعونات. في المقابل، فإن السماح لإسرائيل، منذ 1977، باستثمار جزء من المعونات الأميركية العسكرية في مشاريع بحوث لتطوير الأسلحة داخل إسرائيل كان أحد الأسباب الرئيسيّة التي أدت إلى تطوير دبابة الميركافا، السلاح الأساس الذي استخدم للغزو البري للبنان في الحرب العام الماضي.
استنتاج: الاعتماد على الدعم الأميركي يعني تحويل الجيش اللبناني إلى قوات حفظ سلام في أحسن الأحوال وقوات أمن وقمع داخلي في أسوئها. وعليه، فإنّ السبيل الحقيقي الوحيد لتجريد حزب الله من سلاحه من دون تجريد أهل الجنوب من الضمانة الوحيدة للدفاع عن أرضهم، هو التحالف مع المناهضين للسياسة الأميركية كحلفاء حزب الله الحاليين.

الدعم الاقتصادي

باختصار شديد، إن ماضي المعونات الاقتصاديّة الأميركيّة للبنان وحاضرها يتماهيان إلى حد كبير مع ماضي المساعدات العسكرية وحاضرها من حيث زيادة أو خفض قيمة هذه المساعدات. ومجدداً، شكّلت حرب تموز 2007، لا اغتيال الحريري، العامل الحاسم في الزيادة الضخمة لهذه المساعدات.
1ـــــ قيمة هذا الدعم:
قبل حرب تموز، بلغت المساعدات الاقتصاديّة الأميركيّة أعلى مستوياتها في النصف الأول من الثمانينيات (حوالى 52 مليون دولار عام 1983). وبين عامي 1986 و2000 تراوحت قيمتها بين 8 و15 مليون دولار.
ارتفعت هذه المساعدات إلى معدل 35 مليون دولار سنوياً بين عام 2000 و2006.
عقب حرب تموز، خصصت الإدارة الأميركية مساعدات طارئة للبنان بقيمة 180 مليون دولار، وقامت لاحقاً بطلب حوالى 300 مليون كمساعدات إضافية للعام 2007. (معظم هذه المعونات مكوّنة من هبات).
2ـــــ الأهداف والشروط المرافقة لهذا الدعم:
الهدف المعلن لهذه المعونات هو إعادة إعمار لبنان عقب حرب تموز. لكن تصريف هذه المساعدات مشروط بنجاح حكومة السنيورة في إقرار «إصلاحات» اقتصادية معينة. وبالفعل، وقبل أن يقرّ الكونغرس هذه المساعدات، أعلن السنيورة نيّة حكومته تقليص بعض الضمانات والمساعدات التي تمنحها الدولة لبعض القطاعات الاقتصادية.
هذا بالإضافة الى احتمال خصخصة الكهرباء وخدمات الهاتف والاتصالات ورفع ضريبة القيمة المضافة من 10% إلى 12%، وإجراءات أخرى تهدف بحسب قوله إلى تقليص الدين العام البالغ قدره 40 بليون دولار والذي تبلغ كلفة خدمة فائدته حوالى 3 بليون سنوياً. وقد لقيت هذه السياسات معارضة داخلية أجبرت السنيورة على مراجعة توقيت تنفيذ هذه القرارات وكيفيته.
استنتاج: إنّ هذه المعونات الاقتصادية الأميركية للبنان كانت ولا تزال جزءاً لا يتجزّأ من السياسة الأميركية النيوليبرالية المتّبعة حول العالم والتي تهدف الى إضعاف دور الدولة (التي تدّعي دعمها) وبناء الاقتصاد الحر غير المنضبط.

خلاصة وعِبَر للمستقبل

ما هو تفسير هذه السياسة الأميركية؟ الجواب بسيط.
أوّلاً: قد يكون لبنان في نظر وديع الصافي «قطعة سما» لكنه في نظر صانعي السياسة الأميركية «قطعة مقايضة» على لوح شطرنج اسمه الشرق الأوسط. فلبنان لا يملك أياً من العوامل التي تشكل مصالح حيوية لدولة عظمى كحقول نفط أو ممرات مائية دولية أو قواعد عسكرية إلخ...
وبالفعل، فإنّ رئيسين أميركيين اثنين فقط وصفا لبنان بأنه يشكل مصلحة حيوية للولايات المتحدة: آيزنهاور عام 1958 ورونالد ريغن عام 1983. وترافق إعلان كليهما مع تدخل عسكري أميركي مباشر في لبنان، لا في سياق رسم استراتيجية عامة للولايات المتحدة.
ثانياً: لا تأمن الولايات المتحدة حلفاءها العرب الذين ينتمون الى اثنين من ثلاثة أنماط من الحلفاء، أولهما النمط الذي يتمثل بالقوى السياسية الحاكمة التي تمثل فئات معينة في بلادها وتملك سلطات محدودة ضمن دول تعاني عدم استقرار داخلي نسبي أو كلي. وهذه الدول هي كل من العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان.
وسنجد أن سياسات أميركا العسكرية والاقتصادية تتشابه في هذه الدول، وهي بمعظمها رمزية أو موجهة نحو ضبط الاستقرار الداخلي وتصبّ في خانة الحسابات الضيقة والضارّة بمصالح شعوب هذه البلدان.
ثانيهما يتمثل في الحكومات أو الأنظمة الديكتاتورية التي تمثل مصالحها الخاصة لا مصالح شعوبها وتمارس السلطة في دول ذات استقرار داخلي نسبي أو كلي. ويشمل هذا النمط مصر والسعودية والأردن. والمساعدات لهذه البلدان أكثر من رمزية لكنها محدودة ومشروطة.
أما النمط الثالث فهو يتمثل في الحكومات التي تمثل مصالح شعبها (الأغلبية)، وهي ذات استقرار داخلي نسبي أو كلي. ويشمل هذا النمط كلاً من إسرائيل وتركيا. والمساعدات لهذا النمط من الأنظمة لها وزن وتأثير ملموس على قدرات وإمكانات هذه البلدان العسكرية والاقتصادية.
إنّ هذه الخريطة والمراجعة لتحالفات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كفيلة بإقناع المشكّكين في لبنان بأنّ الإشادة بواشنطن والاعتماد عليها من أجل بناء قوّة عسكرية حقة هو إمّا جهل أو تجاهل للحقائق، وكلاهما تفريط بحقّ كلّ مواطن لبناني (شريف أو غير شريف).
* صحافي لبناني كندي
عدد السبت ٢٥ آب
 
Comments: Post a Comment



<< Home
Simple but Effective

ARCHIVES
August 2006 / August 2007 / September 2007 / October 2007 / January 2008 / February 2008 /


Powered by Blogger